أحمد أسامة
علق الليبيون آمالهم في تحقيق الديموقراطية وإجراء إنتخابات لإرساء دعائم الاستقرار والتحول الديمقراطي في البلد الذي مزقته الفوضى والانقسام منذ إسقاط نظام العقيد القذافي عام 2011. إلا أن النهج الأمريكي والتدخل في الشؤون الداخلية، لا يزال يُعيق تطلعات الليبيين في بناء الدولة الموحدة المستقلة ذات السيادة.
ورغم ادعاءات الولايات المتحدة المتكررة بأنها تتعامل مع الملف الليبي بسياسة منفتحة وديمقراطية شفافة لمساعدة البلاد في حل مشاكلها السياسية، إلا أنها في الواقع تحاول اخفاء تدخلها وفرض شروطها على ليبيا، وهو ما تسبب في تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد بشكل كبير.
وفي آخر محاولة من محاولات الولايات المتحدة في إظهار أنها رائدة بمجال الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة، قامت واشنطن بدعم منقطع النظير لمبادرة مبعوث الأمم المتحدة الى ليبيا عبدالله باتيلي لإجراء الإنتخابات قبل نهاية العام الجاري، والتي تفتقر لآليات واضحة لتنفيذها ولا تتطرق الى مشكلة الإنقسام المؤسساتي وظاهرة إنتشار الميليشيات المسلحة، بل تقتصر على تشكيل لجنة وإجراء الإنتخابات فقط.
وفي إطار فرض المبادرة بالقوة على القوى السياسية في ليبيا، حث باتيلي، بالأمس مجلسي النواب والدولة مجدداً على الوفاء بالتزاماتهما تجاه الشعب الليبي لإجراء الانتخابات، ضمن إطار زمني واضح. فبعد أن تراجع خطوة إلى الوراء إثر الهجوم الحاد من مجلس النواب الرافض لخطته، عاد باتيلي للتلويح باللجوء إلى ما أسماه هذه المرة بـ”الإجراء البديل”، في حال فشلت السلطة التشريعية في التوصل إلى اتفاق حول قوانين الانتخابات.
و”الإجراء البديل”، يتمثل في تشكيل لجنة تسييرية عليا تشرف على تنظيم الانتخابات، بما فيها وضع قاعدة دستورية وقوانين الانتخابات، متجاوزة مجلسي النواب والدولة. وهذه العجلة والتلويح بالإجراءات إنما يدل على أن نية الولايات المتحدة عبر البعثة الأممية ومبادرة مبعوثها هي إيصال رئيس شكلي لا يقدم ولا يؤخر في الوضع شيئاً، للإبقاء على حالة الهوان والفوضى والإنقسام الذي تمر به البلاد.
فبالعودة الى الطريقة التي وصل بها رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة أثناء ملتقى الحوار الوطني الذي رعته الأمم المتحدة ومبعوثتها الأمريكية ستيفاني ويليامز آنذاك، والتي تخللتها خروقات فجة من تهديدات للمشاركين وشراء للذمم، يرى المراقبون أن السياسة الأمريكية تجاه ليبيا لم تتغير.
وفي السياق، قال الكاتب الصحفي، جبريل العبيدي: “إن إهتمام واشنطن لم يخرج عن إطاره منذ انهيار نظام معمر القذافي في 2011، والجهود الأميركية منصبة الآن لإيجاد بديل للغاز الروسي، وكل ما تغير حالياً هو أن ليبيا أصبحت جزءاً من منظومة البديل الروسي بعد حرب أوكرانيا، مما حتّم عودة اللاعب الأميركي إلى المقاعد الأمامية”. وأضاف: “مخطئ من يذهب في ظنه أن ما يشغل واشنطن هو ردم التصدعات السياسية والانشقاقات الأمنية التي تعصف بالبلد منذ اندلاع ثورة 17 فبراير”.
كما قال الكاتب والباحث في العلوم السياسية، إسلام الحاجي: “إن إعادة فتح السفارة الأمريكية في ليبيا هو لتوسيع النفوذ الأمريكي بها ولسهولة التواصل مع الأطراف الليبية بشكل أكبر”. وأضاف: “إن السياسية الأمريكية تعتبر أفريقيا، بما فيها ليبيا، هي الساحة الأخيرة لمواجهة التوسع الروسي والصيني في العالم”.
من جهة أخرى، وفي إطار إثبات نفاق الولايات المتحدة وإستخدامها للأمم المتحدة كوسيلة لتحقيق أجنداتها، يُشير المراقبون الى إستمرار وجود رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، على رأس السلطة. في حين كان من المفترض بها تهيئة الأجواء لإجراء إنتخابات ديسمبر عام 2021، عبر توحيد المؤسسات وحل الميليشيات وإقرار الموازنة، إلا أنها ماطلت وأفشلت إجراء الإنتخابات. وبالتالي مدّد الدبيبة لنفسه السلطة على رأس الحكومة، خارقاً بذلك مخرجات ملتقى الحوار الذي أوصله الى منصبه، مما أدى الى إنقسام جديد في البلاد وظهور حكومة موازية بقيادة فتحي باشاغا، وكل هذا تحت أعين الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
وفي سياق خطة واشنطن تحييد منافسيها الغربيين عن ليبيا، كشف تحقيق مستقل صادر عن الأمم المتحدة أن الاتحاد الأوروبي ساعد على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ليبيا. حيث أوضح التقرير الذي سيُقدَّم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في وقت لاحق من هذا الأسبوع، أنه تم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء في مراكز الاحتجاز في ليبيا، مستنداً إلى مقابلات مع 400 شخص بينهم مهاجرون وشهود عيان، إلى جانب صور ومقاطع فيديو.
وقال أحد أعضاء البعثة الأممية المستقلة إنه على الرغم من أنهم لا يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه قد ارتكبوا هذه الجرائم مباشرة، إلا أن النقطة المهمة هي أن الدعم المقدَّم من الاتحاد الأوروبي ساعد وحرض على ارتكاب هذه الجرائم. فقد قام الاتحاد الأوروبي في وقت سابق، بتمويل برامج إدارة الحدود الليبية إلى جانب دعم وتدريب قوات خفر السواحل في الغرب الليبي، التي تشرف على عملية اعتقال المهاجرين غير النظاميين والإبقاء عليهم داخل مراكز الاحتجاز، وسط ظروف لا إنسانية.